قراءة اتجاه صناعة المصرفية الإسلامية نحو عام 2026
محمد نور ريانتو العارف
(أستاذٌ كرسيٌّ في جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية بجاكرتا)
يشهد قطاع المصرفية الإسلامية في إندونيسيا مرحلة حاسمة في مسيرته. فإذا كان العقد الأول من نموه قد اتسم بالبحث عن الشكل والحجم المناسبين، فإن الفترة المتجهة نحو عام 2026 تمثل مرحلة توطيد وهيكلة قد تقود هذا القطاع إلى مستوى جديد أكثر نضجًا.
إن الارتفاع التدريجي في الحصة السوقية، وظهور بنوك إسلامية كبيرة الحجم، إلى جانب خطط فصل عدد من الوحدات المصرفية الإسلامية عن البنوك التقليدية، كلها عوامل ترسم ملامح مشهد أكثر تنافسية وفي الوقت ذاته أكثر وعدًا.
لم تعد السردية الكبرى للمصرفية الإسلامية تقتصر على الالتزام بمبادئ الشريعة فحسب، بل أصبحت تدور أيضًا حول القدرة على المنافسة في الصناعة المصرفية الحديثة، من حيث الكفاءة، والابتكار الرقمي، وإدارة المخاطر، وتجربة العملاء. ويُتوقع أن يكون عام 2026 نقطة تحول تبدأ عندها نتائج عملية التوطيد الهيكلي التي استمرت خلال السنوات الماضية بالظهور بشكل ملموس.
حتى نهاية عام 2024 وبداية عام 2025، اقتربت الحصة السوقية للمصرفية الإسلامية في إندونيسيا من ثمانية في المئة من إجمالي الصناعة المصرفية الوطنية. ويُنظر إلى هذا الرقم غالبًا بوصفه إنجازًا إيجابيًا، لكنه في الوقت نفسه يبرز حجم الفرص الكامنة للنمو المستقبلي. فمع كون غالبية السكان من المسلمين، وتزايد الوعي بالتمويل القائم على القيم، فإن الإمكانات الحقيقية للسوق الإسلامية تتجاوز بكثير هذه النسبة.
وقد اتسم نمو الحصة السوقية حتى الآن بطابع تدريجي لا انفجاري، وهو ما يعكس واقعين أساسيين: أولهما أن المصرفية الإسلامية نجحت في بناء أساس من الثقة والاستقرار، وثانيهما أن انتشارها لا يزال يواجه تحديات تتعلق بضيق الحجم، وضعف الثقافة المالية، والتصور السائد بأن المنتجات الإسلامية أقل تنافسية مقارنة بنظيراتها التقليدية.
ومع دخول عام 2026، بدأت هذه الديناميكيات في التغير. إذ يفتح توحيد المؤسسات وتعزيز رؤوس الأموال المجال أمام البنوك الإسلامية للتحرك بشكل أكثر جرأة، لا سيما في قطاع التجزئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
ومن أبرز المحطات المفصلية قبيل عام 2026 تأسيس بنك إسلامي وطني جديد من خلال استحواذ بنك التوفير الوطني (BTN) على بنك فيكتوريا الإسلامي، إلى جانب فصل وحدة الأعمال الإسلامية التابعة لـ BTN. ولا يُعد هذا التحرك مجرد صفقة مؤسسية، بل يشكل إشارة قوية إلى أن الدولة والفاعلين في القطاع ينظرون إلى المصرفية الإسلامية باعتبارها ركيزة استراتيجية في النظام المالي.
ويعزز وجود هذا البنك الإسلامي الوطني الجديد هيكل الصناعة المصرفية الإسلامية. فخلال السنوات الماضية، تركزت الأصول المصرفية الإسلامية إلى حد كبير في بنك واحد كبير، بينما عملت البنوك الأخرى على نطاق متوسط أو صغير. ومع دخول لاعب كبير جديد، تصبح المنافسة أكثر توازنًا، ويحصل العملاء على خيارات أوسع، وتُدفع البنوك الإسلامية إلى تحسين جودة خدماتها.
ومن منظور الأعمال، يتمتع البنك الإسلامي الوطني الناتج عن توحيد BTN بمزايا تتعلق باتساع شبكة الفروع، والخبرة في تمويل الإسكان، وقاعدة عملاء واسعة. وإذا ما تم دمج هذه المزايا بنجاح مع الابتكار في المنتجات الإسلامية والرقمنة، فمن الممكن أن يتحول هذا البنك إلى محرك جديد لنمو الصناعة.
غير أن التوطيد لا يخلو من التحديات، إذ تتطلب عملية دمج الأنظمة، ومواءمة الثقافة المؤسسية، وتكييف الاستراتيجيات التجارية وقتًا ودقة عالية. وسيعتمد نجاح هذا البنك إلى حد كبير على قدرة الإدارة على إدارة مرحلة الانتقال وبناء هوية جديدة قوية في أذهان الجمهور.
وإلى جانب تأسيس البنك الإسلامي الوطني، تبرز على أعتاب عام 2026 أجندة كبرى أخرى تتمثل في خطط فصل الوحدات المصرفية الإسلامية التابعة لعدد من البنوك التقليدية. ويُذكر في هذا السياق اسما بنك CIMB Niaga وبنك Permata على وجه الخصوص.
وبالنسبة لـ CIMB Niaga، فإن خطة فصل وحدته الإسلامية تعكس جدية في تحويل هذا النشاط إلى كيان مستقل يتمتع باستراتيجية نمو أكثر تركيزًا. ومن المتوقع أن تتيح هذه الاستقلالية للبنك الإسلامي الناتج عن الفصل حرية حركة أكبر في تطوير المنتجات وبناء علامة تجارية قوية في السوق الإسلامية.
أما بنك Permata، فلا يزال في مرحلة الدراسة، غير أن توجهات السياسات الصناعية والتنظيمية تشير إلى أن الفصل سيصبح في نهاية المطاف أمرًا لا مفر منه. فعندما تصل الوحدة الإسلامية إلى حجم معين، يصبح تحولها إلى بنك إسلامي مستقل ليس فقط التزامًا تنظيميًا، بل فرصة تجارية حقيقية.
وتحمل ظاهرة الفصل هذه تداعيات واسعة؛ فمن جهة، سيزداد عدد البنوك الإسلامية، مما يعزز المنافسة، ومن جهة أخرى، تُطالب كل مؤسسة برأس مال كافٍ واستراتيجية واضحة. وبدون ذلك، قد يؤدي الفصل إلى نشوء بنوك إسلامية هشة يصعب عليها المنافسة.
وفي خضم التفاؤل المصاحب لعمليات التوطيد والتوسع، تبرز تجربة بنك Muamalat كتذكير بالتحديات القائمة. فبوصفه رائد المصرفية الإسلامية في إندونيسيا، يتمتع البنك بقيمة تاريخية كبيرة، إلا أن الضغوط المرتبطة بجودة الأصول وارتفاع التمويلات المتعثرة دفعته خلال السنوات الأخيرة إلى الدخول في مسار إعادة هيكلة.
وتقدم حالة Muamalat دروسًا مهمة، أبرزها أن الالتزام بمبادئ الشريعة لا يضمن تلقائيًا متانة الأعمال دون إدارة قوية للمخاطر، وأن الشفافية والتواصل مع الجمهور عنصران أساسيان للحفاظ على ثقة العملاء، فضلًا عن الدور الحاسم لدعم المساهمين والجهات التنظيمية في إنجاح عملية إعادة الهيكلة.
ومع اقتراب عام 2026، سيكون لنجاح Muamalat في استكمال إعادة الهيكلة أثر بالغ على الصورة العامة للصناعة. فإذا تمت العملية بنجاح، تعززت الثقة بالمصرفية الإسلامية، أما الفشل فقد يولد مشاعر سلبية تعيق وتيرة النمو.
وتعد التحولات الرقمية عاملًا حاسمًا آخر في آفاق المصرفية الإسلامية لعام 2026. إذ تفرض تغيرات سلوك العملاء، ولا سيما من فئة الشباب، خدمات مصرفية سريعة وسهلة ومتكاملة. ولم تعد المنافسة محصورة في الامتثال الشرعي، بل امتدت إلى تجربة المستخدم.
وتفتح الرقمنة آفاقًا واسعة أمام البنوك الإسلامية لتوسيع نطاقها دون الحاجة إلى التوسع المفرط في الفروع المادية، من خلال التمويل الرقمي للمشروعات الصغيرة، وتكامل الخدمات مع منظومة التكنولوجيا المالية الإسلامية.
غير أن الرقمنة تتطلب استثمارات كبيرة وجاهزية عالية للموارد البشرية. فالبنوك التي تعجز عن التكيف قد تتخلف عن الركب، في حين تستطيع المؤسسات القادرة على استغلال التكنولوجيا أن تحقق قفزات نوعية خلال فترة قصيرة.
ومن المتوقع أن يشكل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد الحلال المحرك الرئيسي لنمو المصرفية الإسلامية حتى عام 2026. فهذه المشروعات تعاني منذ وقت طويل من محدودية الوصول إلى التمويل، بينما تمتلك البنوك الإسلامية فرصة كبيرة لسد هذه الفجوة من خلال منتجات قائمة على مبدأ تقاسم الأرباح.
وفي الوقت ذاته، فإن تطور الصناعات الحلال، من الأغذية والمشروبات، والسياحة، والأزياء، وصولًا إلى الخدمات اللوجستية، سيخلق طلبًا متزايدًا على التمويل المتوافق مع الشريعة. وستكون البنوك القادرة على بناء شراكات استراتيجية مع هذه القطاعات في موقع متقدم.
ويعد النهج القائم على بناء النظم البيئية عنصرًا أساسيًا في هذا السياق، إذ لا يقتصر دور البنك الإسلامي على تقديم التمويل، بل يمتد إلى الربط بين الفاعلين الاقتصاديين والأسواق والموارد الداعمة.
وعلى الرغم من هذه الآفاق الواعدة، فإن الطريق نحو عام 2026 لا يخلو من المخاطر، بدءًا من تحديات الدمج بعد عمليات التوطيد والفصل، مرورًا باحتمالات ارتفاع التمويلات المتعثرة، وصولًا إلى ضغوط الهوامش الربحية نتيجة المنافسة الحادة.
كما تؤثر الأوضاع الاقتصادية الكلية والسياسات النقدية العالمية في أداء المصرفية الإسلامية، حيث يمكن لارتفاع أسعار الفائدة المرجعية أن يضغط على تكلفة الأموال والطلب على التمويل. ومن ثم، تصبح الحوكمة الرشيدة والحذر شرطين لا غنى عنهما لتحقيق نمو مستدام.
وبناءً على هذه المعطيات، يبدو أفق المصرفية الإسلامية في إندونيسيا لعام 2026 إيجابيًا مع بعض التحفظات. ففي السيناريو المعتدل، يُتوقع أن ترتفع الحصة السوقية إلى ما بين ثمانية وتسعة في المئة، بينما قد تتجاوز العشرة في المئة في السيناريو المتفائل إذا سارت عمليات التوطيد والفصل وإعادة الهيكلة بنجاح.
غير أن الأهم من الأرقام هو جودة النمو. فالبنوك الإسلامية السليمة والمبتكرة والشاملة يمكن أن تسهم إسهامًا حقيقيًا في الاقتصاد الوطني، ولا سيما في تعزيز العدالة والتوزيع المتوازن للنمو.
وفي نهاية المطاف، يتوقف نجاح المصرفية الإسلامية ليس فقط على نمو الأصول أو الحصة السوقية، بل على مدى إسهامها في رفاه المجتمع وتعزيز متانة الاقتصاد الوطني. وإذا تمكن هذا القطاع من الإجابة عن التحديات المطروحة، فإن عام 2026 قد يشكل لحظة انتقال المصرفية الإسلامية في إندونيسيا من كونها بديلًا إلى أن تصبح تيارًا رئيسيًا في مسار التنمية الاقتصادية الوطنية.
