"روجالي" وأزمة محفظة الشعب
الأستاذ الدكتور محمد نور ريانتو العارف
أستاذ جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا.
في السنوات الأخيرة، ضجّ عالم التجزئة والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إندونيسيا بمصطلح فريد: "روجالي" - أي "مجموعة الشراء النادرة". يصف هذا المصطلح الظاهرة الاجتماعية المتمثلة في توافد الناس على مراكز التسوق والمقاهي والأسواق التقليدية، مع قلة مشترياتهم.
يأتون، يتجولون، يستمتعون بالأجواء، يلتقطون صورًا ذاتية، بل ويطيلون البقاء، لكن جيوبهم تبقى مغلقة بإحكام. هذا الوضع يشير إلى أن الاستهلاك العام لم يشهد أي تحسن حتى الآن.
عندما نتحدث عن الاقتصاد فإن أحد أهم المؤشرات التي تعكس نبض رفاهية الناس هي القدرة الشرائية.
إن القدرة الشرائية هي انعكاس بسيط، فهل يستطيع الناس شراء احتياجاتهم الأساسية، ودفع الأقساط، وتخصيص الأموال للادخار؟
ظاهرة "روجالي" ليست مجرد مزحة لغوية أو مصطلح شائع، بل تعكس واقعًا أخطر بكثير: أزمة في القدرة الشرائية للناس. تُمثل "روجالي" حرفيًا تحولًا في أنماط الاستهلاك الاستهلاكي. فبينما كان الناس يرتادون مراكز التسوق للتسوق، يأتي الكثيرون الآن لمجرد الترفيه بأسعار معقولة، أو المساحات المكيفة المجانية، أو خيارات "العلاج" المجانية.
انتشرت هذه الظاهرة من مراكز التسوق الكبيرة في المدن الكبرى إلى الأسواق التقليدية في ضواحي القرى. حتى أن الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تشكو من "زحام الزوار، لكن دون معاملات". تحدث ظاهرة "روجالي" نتيجةً لعدة عوامل، منها ارتفاع أسعار السلع، وركود مستويات الدخل، وتحول أولويات الاستهلاك نحو الضروريات الأساسية، وارتفاع تكلفة المعيشة. بمعنى آخر، تُعدّ ظاهرة "روجالي" تعبيرًا اجتماعيًا عن ضعف القدرة الشرائية.
ولكي نفهم هذه الظاهرة بشكل أكثر منهجية، دعونا نلقي نظرة على بعض البيانات التي تظهر أعراض ضعف القدرة الشرائية الوطنية.
أولاً، تشير الظروف الحالية إلى تباطؤ نمو استهلاك الأسر. تُظهر البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن نمو استهلاك الأسر بلغ 4.8% فقط في الربع الأول من عام 2025، مقارنةً بنسبة تراوحت بين 5.2% و5.4% قبل الجائحة.
ويعد الاستهلاك المنزلي المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي الوطني (أكثر من 52 في المائة)، وبالتالي فإن هذا الانخفاض له تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني.
الحقيقة الثانية هي العلاقة غير الخطية بين ارتفاع أسعار الغذاء والدخل. فقد ارتفعت تكاليف الغذاء في إندونيسيا بنسبة 1.99% في يونيو 2025 مقارنةً بالشهر نفسه من العام السابق، مقابل 1.03% في مايو.
في غضون ذلك، ظلت الأجور الحقيقية للعمال مستقرة نسبيًا. هذا الوضع يعني أن الناس مُجبرون على تقليل استهلاكهم للسلع الثانوية، مما يُجبرهم على التركيز على السلع الأولية.
تشير بيانات أخرى إلى تباطؤ مبيعات التجزئة حاليًا. وتُظهر بيانات مؤشر المبيعات الحقيقية لبنك إندونيسيا انكماشًا في قطاعات الملابس والإلكترونيات والسلع المنزلية.
حتى الخصومات الضخمة التي تقدمها مراكز التسوق والتجارة الإلكترونية لم تفعل الكثير لتحريك أحجام الشراء.
لا يمكننا أن نلوم الأشخاص الذين أصبحوا "روجالي"، لأن ما يحدث هو نتيجة لبنية اقتصادية لم تحل مشاكلها الأساسية.
هناك عدد من الأسباب النظامية التي تؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية للناس.
أولاً، لم تصاحب زيادات الأسعار زيادات كبيرة في الأجور. ولم يشهد العديد من العاملين في القطاع غير الرسمي والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة أي زيادة في الدخل، رغم استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي الواقع، شهدت القطاعات الزراعية والتجارية انخفاضاً في الدخل الحقيقي، لأن الهوامش أصبحت أصغر وكانت تكاليف الإنتاج في ازدياد.
ثانيًا، سوق العمل هش ومتقلب. يعمل الكثيرون في قطاعات هشة، مثل سائقي الدراجات النارية عبر الإنترنت، والمستقلين، وصغار التجار. دخلهم غير مستقر، مما يجعل الاستهلاك ملاذًا أخيرًا لا أساسيًا.
ثالثًا، الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة. كما تُسهم زيادات أسعار الكهرباء، وتكاليف المواصلات، والرسوم المدرسية، وخدمات الرعاية الصحية غير المدعومة في زيادة إنفاق الناس.
إن التكاليف غير المتوقعة مثل تكاليف العلاج في المستشفيات، أو تعليم الأطفال، أو قروض شراء الدراجات النارية، تجعل الناس أكثر حرصاً في إنفاق الأموال.
في الواقع، كشف تحليل بيانات كومباس أن متوسط تكلفة المدرسة الابتدائية ارتفع بنسبة 12.6% سنويًا من عام 2018 إلى عام 2024. وفي الوقت نفسه، بلغت زيادات رواتب الوالدين خلال نفس الفترة 2.6% فقط سنويًا.
رابعًا، اتساع الفجوة في توزيع النمو الاقتصادي. فرغم أن الاقتصاد نما بنسبة 5% في السنوات الأخيرة، إلا أن عوائد هذا النمو لم تُوزَّع بالتساوي.
إن معظم الفوائد لا يشعر بها إلا الطبقات العليا والشركات الكبرى، في حين لا تزال الطبقة المتوسطة الدنيا تكافح من أجل تلبية احتياجاتها اليومية.
من وجهة نظر الجهات الفاعلة في قطاع الأعمال، وخاصةً قطاعي التجزئة والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، تُعدّ ظاهرة "روجالي" مُقلقة للغاية. وتشمل بعض آثارها انخفاضًا حادًا في حجم المبيعات اليومية، مع استمرار ارتفاع تكاليف التشغيل.
ثم تراجعت الثقة في قدرة السوق المحلية على الاستيعاب، مما دفع العديد من الشركات إلى الإغلاق أو التحول إلى العمل عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، تراجع الاقتصاد المحلي، لا سيما في المناطق السياحية والأسواق التقليدية ومراكز المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
لمعالجة ظاهرة "روجالي" وضعف القدرة الشرائية، لا يمكن للحلول أن تكون عشوائية، بل تتطلب سياسات هيكلية وإيجابية.
أولاً، على الحكومة التدخل لتثبيت أسعار الضروريات الأساسية. عليها أن تكون أكثر استباقية في ضبط أسعار المواد الغذائية، بدلاً من الاكتفاء بالاستجابة عند ارتفاعها.
ويجب توسيع نطاق برامج توزيع الأغذية بأسعار معقولة وأسواق الناس وجعلها دائمة.
ثانيًا، على الحكومة إصلاح الأجور والحماية الاجتماعية. ينبغي مراجعة الحد الأدنى للأجور بناءً على ارتفاع تكاليف المعيشة، وليس فقط التضخم. ويجب تسريع توسيع نطاق الضمان الاجتماعي للعمال غير النظاميين (مثل دعم برنامج دعم الأجور والحماية الاجتماعية (BPJS PBI) ودعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة).
ثالثًا، توفير رأس مال مستقر وبأسعار معقولة للمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. يجب تزويد هذه المشاريع ببرامج ائتمانية ميسرة طويلة الأجل، وليس فقط قروضًا متناهية الصغر قصيرة الأجل. ويمكن للشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية أن تصبح مشتريًا دائمًا للمنتجات المحلية.
رابعًا، البرامج كثيفة العمالة والعمالة المنتجة. يمكن للحكومة إحياء المشاريع كثيفة العمالة في المناطق الريفية لضمان تدفق الأموال إلى جيوب المواطنين. إعطاء الأولوية لتنمية قطاع الأعمال الزراعية والاقتصاد المحلي.
خامسًا، تعزيز الإنفاق الحكومي على المستوى الشعبي. ينبغي تخصيص المزيد من مخصصات الميزانيات الإقليمية والوطنية للقرى والأسواق التقليدية والتعليم وتنمية الموارد البشرية.
نشأ مصطلح "روجالي" من مخاوف أصحاب الأعمال والجمهور. مع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذه الظاهرة تُعدّ أيضًا بمثابة تحذير اجتماعي بأن الناس في وضع البقاء، وليس وضع النمو.
إن ضعف القدرة الشرائية لدى الناس لا يشكل مشكلة اقتصادية فحسب، بل هو أيضا قضية عدالة اجتماعية واستدامة وطنية.
عندما يصبح الناس غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، أو يؤجلون الاستهلاك بسبب المخاوف بشأن المستقبل، فإن إشارة الخطر هذه يجب أن تعالج على الفور من قبل جميع أصحاب المصلحة.
(تم نشر هذه المقالة على موقع money.kompas.com يوم الاثنين 21 يوليو 2025)