تقييم فعالية استراتيجية برابوو الجديدة لمعالجة الفقر

تقييم فعالية استراتيجية برابوو الجديدة لمعالجة الفقر

الأستاذ الدكتور محمد نور ريانتو العارف
أستاذ جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا والأمين العام لمدير النيابة العامة لجمعية المحاضرين الإندونيسيين

الفقر قضية متعددة الأبعاد تتطلب نهجًا متعدد القطاعات. في ظل التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الذي لا يزال يُعاني منه غالبية الإندونيسيين، يُشجع الرئيس برابوو سوبيانتو على اتباع نهج عملي وملموس وقائم على القواعد الشعبية.

أعلن رئيس مكتب الاتصالات الرئاسية أن الرئيس برابوو سوبيانتو سيطلق ثلاثة برامج ذات أولوية: المدارس الشعبية، والفحوصات الصحية المجانية في المدارس، والتعاونية الحمراء والبيضاء. هذه البرامج ليست مجرد وعود انتخابية، بل أدوات منهجية لبناء أسس الرخاء العادل والحد من الفقر على مستوى البلاد.

تحاول هذه المقالة التعمق في كيفية تصميم هذه البرامج الرئيسية الثلاثة - المدارس الشعبية، والرعاية الصحية المجانية في المؤسسات التعليمية، والتعاونية الحمراء والبيضاء - لتتكامل معًا في دفع عجلة التحول الاجتماعي والاقتصادي في إندونيسيا. هذه البرامج الثلاثة ليست برامج معزولة، بل هي جزء من خطة برابوو الكبرى للقضاء على الفقر هيكليًا واجتماعيًا وثقافيًا ومستدامًا.

إن الفقر في إندونيسيا ليس مجرد مسألة نقص الدخل، بل هو مزيج من عوامل مختلفة، وهي انخفاض فرص الحصول على التعليم الجيد، وخدمات الصحة الوقائية المحدودة، والتوزيع غير المتكافئ للأصول ورأس المال، وضعف التمكين الاقتصادي المحلي.

تتطلب مواجهة تحديات متعددة الأبعاد كهذه نهجًا يعالج جذور المشكلة مباشرةً من خلال سياسات تكاملية ومستدامة. وهنا تبرز أهمية أفكار "مدرسة الشعب"، والفحوصات الصحية المجانية في المدارس، والتعاونية الحمراء والبيضاء.

مدرسة الشعب: التعليم للجميع

تُجسّد مدارس الشعب مثالاً ملموساً على التعليم الشامل، الذي يُروّج له كثيراً ولكنه نادراً ما يُطبّق تطبيقاً كاملاً. يرى برابوو أن التعليم هو الأداة الأساسية لكسر حلقة الفقر المتوارثة بين الأجيال. صُممت مدارس الشعب لتكون موجودة في المناطق النائية، والمناطق الريفية، وجيوب الفقر، من الساحل إلى الداخل، ومن سابانغ إلى ميراوكي.

هذا النموذج المدرسي مجاني ومفتوح لجميع الأطفال الإندونيسيين، ويسعى إلى تقليص العوائق الاقتصادية والجغرافية والإدارية. مدرسة الشعب ليست مجرد مكان للتعلم، بل هي مركز لتمكين المجتمع، حيث يلتقي التعليم الرسمي وبناء الشخصية وتدريب المهارات الحياتية.

لا ينبغي أن تعتمد مدارس الشعب على المنهج الوطني فحسب، بل ينبغي أن تُزود أيضًا بوحدات دراسية في ريادة الأعمال، والتدريب على الأعمال الزراعية، وتنمية الثقافة الرقمية، والاستقلال الاقتصادي. وهنا تبرز اختلاف مدارس الشعب عن المدارس التقليدية. إذ لا يُعلّم أطفال الأسر الفقيرة الذكاء فحسب، بل أيضًا القدرة على البقاء وبناء حياة كريمة.

على المدى البعيد، من المتوقع أن تُنتج مدرسة الشعب ليس فقط قوى عاملة ماهرة، بل أيضًا رواد أعمال محليين، وقادة مجتمعيين، وفاعلين في تطوير القرى. كما يُتيح البرنامج فرصًا للتعاون مع الجامعات والمنظمات غير الحكومية وقطاع الصناعة لإنشاء منظومة تعليمية مرنة ومتجاوبة وفعّالة للحد من الفقر.

فحوصات صحية مجانية في المدارس

في رؤية برابوو، التعليم والصحة وجهان لعملة واحدة. يستحيل على الأطفال الفقراء التعلّم على النحو الأمثل إذا كانت صحتهم سيئة. لذلك، يُعدّ برنامج الفحص الطبي المجاني في المدارس استراتيجيًا للغاية. تهدف الحكومة إلى ضمان توفير المرافق والخدمات الصحية الوقائية بانتظام لجميع المدارس الابتدائية والثانوية، وخاصةً في المناطق النائية (الأقل نموًا، والمناطق الحدودية، والمناطق النائية).

ولا يتم إجراء هذه الفحوصات الصحية بشكل دوري فحسب، بل يتم دمجها أيضًا مع رسم خرائط الحالة الغذائية، وفحص النمو والتطور، والكشف المبكر عن الأمراض المعدية وغير المعدية، والتثقيف بشأن أنماط الحياة الصحية.

يُنفَّذ هذا البرنامج بنهج متعدد القطاعات، حيث يُوفر مكتب الصحة الكوادر الطبية ومعدات الفحص، بينما يُسهِّل مكتب التعليم البنية التحتية ومشاركة المدارس. علاوة على ذلك، يُعزَّز التعاون مع الجامعات الطبية والمستشفيات الإقليمية وكوادر مراكز الرعاية الصحية المتكاملة (بوسياندو).

الهدف الرئيسي هو تعزيز ثقافة الوعي الصحي منذ الصغر، وتحديد مشاكل الأطفال الصحية قبل أن تصبح مزمنة، وتخفيف أعباء تكاليف الرعاية الطبية مستقبلًا. لذا، فإن هذا البرنامج ليس مجرد عمل خيري، بل هو استثمار طويل الأمد في جودة الموارد البشرية الإندونيسية.

التعاونية الحمراء والبيضاء: اقتصاد الشعب ركيزة أساسية للمرونة الاجتماعية

تعاونية ميراه بوتيه ليست تعاونية عادية، بل هي مبادرة استراتيجية تهدف إلى إحياء روح التعاون المتبادل وبناء اقتصاد شعبي كأساس للمرونة الاجتماعية في مواجهة ضغوط اقتصاد السوق الحر. تهدف هذه التعاونية إلى أن تصبح مركزًا اقتصاديًا مجتمعيًا، يوفر تمويلًا ميسور التكلفة، وتدريبًا على ريادة الأعمال، ومنصة توزيع لمنتجات الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية.

بتوجيه من الرئيس برابوو، تهدف تعاونية ميراه بوتيه أيضًا إلى أن تكون جسرًا للشمول المالي، مما يُقرّب المجتمعات من الوصول إلى رأس المال والتأمين الأصغر والرقمنة الاقتصادية. تتميز هذه التعاونية بميزات تُميّزها عن التعاونيات التقليدية: فهي متصلة بمنصة رقمية وطنية، ويشرف عليها موظفون متخصصون، ومتعاونة مع الشركات المملوكة للقرى (BUMDes) وصناديق القرى.

من خلال تعاونية "ميراه بوتيه"، يستطيع صغار المزارعين شراء الأسمدة والبذور بأسعار منخفضة، ويستفيد الصيادون من مخازن التبريد، ويحصل التجار على رأس مال منخفض الفائدة، وتستطيع ربات البيوت بيع المنتجات المصنعة عبر سوق التعاونية. كما صُممت التعاونية للتواصل مع مدرسة الشعب (Sekolah Rakyat) لتوفير طعام صحي ومواد تعليمية بأسعار معقولة.

على المدى البعيد، ستصبح تعاونية ميراه بوتيه العمود الفقري لاقتصاد القرية. فهي ليست مؤسسة اقتصادية فحسب، بل مؤسسة اجتماعية أيضًا، تربط المجتمع معًا بالتضامن والكفاءة والاستقلالية.

تآزر الركائز الثلاث في التخفيف من حدة الفقر

هذه البرامج الرئيسية الثلاثة - مدارس الشعب، والرعاية الصحية المدرسية المجانية، والتعاونية الحمراء والبيضاء - تُشكّل نظامًا موحدًا بحق. يدعم كل منها الآخر ويعززه. يستطيع الأطفال الأصحاء والأذكياء من الفقراء الالتحاق بالمدرسة دون عناء. تُنتج المدارس المنتجة جيلًا جديدًا من العمال ورواد الأعمال. تُعدّ التعاونيات ميسّرات اقتصادية، تستوعب العمالة وتُنشئ بيئةً مرنة.

يُدرك برابوو أن الفقر لا يُحلّ بالمساعدة الاجتماعية وحدها. لا بدّ من نهجٍ تحويليٍّ لتحرير المجتمعات من الاعتماد على الغير. فهو لا يُوفّر لهم السمك فحسب، بل يُعلّمهم أيضًا كيفية الصيد، ويُساعدهم في بناء البرك، ويُتيح لهم بيع صيدهم.

بالطبع، هذه البرامج ليست خالية من التحديات. أولًا، سيعتمد التنفيذ الميداني بشكل كبير على القدرات البيروقراطية المحلية والإرادة السياسية. يجب أن تكون الحكومات المحلية قادرة على العمل كامتداد للرؤية الوطنية، لا أن تعيقها بتداخل السياسات القطاعية.

ثانيًا، قضايا التمويل والاستدامة. تتطلب برامج مثل مدرسة الشعب والرعاية الصحية المجانية مخصصات كبيرة من ميزانية الدولة. وهنا تبرز أهمية الإصلاح المالي وتحسين الميزانية. كما يجب على الحكومة إتاحة المجال لمشاركة القطاعين العام والخاص.

ثالثًا، لا تزال الرقمنة ومحو الأمية المجتمعية تُشكلان تحديًا. فبدون بناء قدرات الموارد البشرية المحلية، قد تتوقف برامج التعاون الرقمي. لذلك، يجب تطبيق محو الأمية المالية والتثقيف التكنولوجي في آنٍ واحد.

إذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فإن الاستراتيجيات الثلاث الجديدة التي اقترحها الرئيس برابوو يمكن أن تخلق إرثًا تنمويًا ضخمًا، ليس فقط من خلال معالجة الفقر اليوم، ولكن أيضًا خلق نظام اجتماعي واقتصادي أكثر عدالة للأجيال القادمة.

ومع ذلك، فإن فعاليتها تتحدد إلى حد كبير بالإرادة السياسية الثابتة، والرقابة العامة القوية، والتعاون بين القطاعات، والابتكار المستمر على أرض الواقع. يجب على الرئيس برابوو أن يضمن ألا تكون تكتيكاته الجديدة مجرد شعارات انتخابية، بل جزءًا من ثورة سياسية تعالج بجرأة جذور المشكلة بنهج تكاملي وإنساني.

في نهاية المطاف، لا يقتصر تخفيف حدة الفقر على توزيع المساعدات فحسب، بل يشمل أيضًا التحول الهيكلي والتنمية البشرية الشاملة. إن تحرير التعليم، والرعاية الصحية العادلة، واقتصاد شعبي قوي، هي الركائز الرئيسية الثلاثة التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها باستمرار.

في خضم الاضطرابات العالمية، والتفاوت الرقمي، وتحديات تغير المناخ، يُعدّ هذا النهج بالغ الأهمية كجهد لتعزيز الاستقلال الوطني من الداخل. مدارس الشعب، والرعاية الصحية المجانية في المدارس، والتعاونية الحمراء والبيضاء، هي أحلام كبيرة تُكتب معًا. وهذا الحلم الكبير يقع الآن على عاتقنا جميعًا: كمواطنين، وكمجتمع مدني، وكجزء من الجمهورية.

(نُشرت هذه المقالة على  موقع news.detik.com  يوم الأحد 13 يوليو 2025)