توحيد الجامعات ذات الأثر
أحمد ثُلّابي خارلي
عضو مجلس التعليم العالي بوزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا،
خلال العقدين الأخيرين، تحسّن الوصول إلى التعليم العالي بالفعل. فقد ارتفعت نسبة المشاركة الإجمالية، ونمت الجامعات في ما يقرب من كل مقاطعة. غير أنّ منظمة اليونسكو (2023) تشير إلى أنّ التوسّع الذي لا يرافقه توجّه نحو الجودة والأثر قد يؤدّي في الواقع إلى تراجع المستوى. ومن ثمّ، فإن مسار تطوير التعليم العالي يجب أن يتحوّل من مجرد زيادة عدد المؤسسات إلى بناء منظومة صحية وتعاونية. وهذا يعني أنّ الجامعات الحكومية (PTN)، والجامعات الخاصة (PTS)، وجامعات الوزارات/الهيئات (PTKL)، والجامعات الأجنبية (PTLN) ينبغي أن تتكامل فيما بينها، لا أن تنخرط في منافسة تدميرية. كما يصبح كلّ من الصناعة، والحكومات المحلية، والجمعيات المهنية، والمجتمع المدني جزءًا لا يتجزأ من هذه المنظومة.
وهنا يتجلّى المعنى الحقيقي لمفهوم الجامعة ذات الأثر (Kampus Berdampak)، وهو تصور يجمع بين أربعة توجهات رئيسة: الملاءمة (relevance) أي التوافق مع احتياجات المجتمع والصناعة، والمرونة (resilience) أي القدرة على الصمود أمام التحولات العالمية، وأثر البحث العلمي (research impact) أي الإسهام الفعلي لنتائج البحث، والمسؤولية (responsibility) أي المساءلة الاجتماعية والأخلاقية للجامعة تجاه الجمهور.
الحوكمة ذات الأثر
في منتديات مجالس التعليم العالي، كثيرًا ما يُسلَّط الضوء على تراجع الثقافة العلمية. إذ تنشغل العديد من الجامعات بأرقام الاستشهادات والتصنيفات، لكنها تفقد الروح العلمية بوصفها سعيًا إلى الحقيقة. في حين أنّ كلارك كير (1963) وصف الجامعة المثالية بأنها مجتمع العلماء (community of scholars)، أي مجتمع معرفي يلتزم بالتنوير، لا مجرد مؤسسة لإنتاج الشهادات.
إنّ استعادة ثقافة علمية رفيعة تقوم على النزاهة، والتعاون، والحرية الأكاديمية باتت ضرورة ملحّة. وفي هذا السياق، يطرح مؤتمر KPPTI 2025 موضوع: «الثقافة العلمية المتميزة: استعادة كرامة المؤسسات الأكاديمية والبحثية»، واضعًا البحث العلمي في صميم روح الجامعة. ومن ثمّ، فإن توجّه الجامعة ذات الأثر يتحوّل من السعي وراء عامل التأثير (impact factor) إلى صناعة أثر مجتمعي ملموس يشعر به الناس.
لقد بُني مؤتمر KPPTI بوصفه فضاءً للتآزر متعدد القطاعات، ومختبرًا لسياسات المنظومة، حيث يلتقي المنظمون، والأكاديميون، والصناعة، والمجتمع لصياغة مسار تحوّل التعليم العالي. ومن خلال الجلسات العامة، وعيادات القيادة، ومنتديات التواصل، يسعى هذا المؤتمر إلى بناء خارطة طريق لتحويل التعليم العالي في إندونيسيا.
يتناغم هذا المسار التكاملي مع رؤية إندونيسيا الذهبية 2045 التي تجعل من تنمية الموارد البشرية المتفوّقة ركيزة أساسية. وعلى المدى المتوسط، يستند تطوير التعليم العالي إلى الخطة الاستراتيجية لوزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا 2025–2029، التي تستهدف رفع قابلية توظيف الخريجين، وتعزيز البحث التطبيقي، وتسريع تدويل التعليم العالي.
إنّ سياسات مثل التعلّم المستقل – الحرم الجامعي المستقل (MBKM) ومؤشرات الأداء الرئيسة (IKU) تمثّل خطوات أولى، لكنها غير كافية من دون تعزيز التعاون بين مختلف مسارات التعليم العالي. ولذلك، يدعو هذا المؤتمر جميع مسارات التعليم العالي، بما فيها: الجامعات الحكومية، والخاصة، وجامعات الوزارات/الهيئات، والجامعات الأجنبية، إلى التعاون ضمن منظومة واحدة مشتركة. فالمساواة وبناء الشبكات بين هذه المسارات هو جوهر مفهوم المنظومة ذات الأثر.
دبلوماسية المعرفة
لا يمكن فصل التعليم العالي ذي الأثر عن الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية. فالعلم من دون قيم قد يكون خطيرًا، كما حذّر ألبرت أينشتاين (1954):
«العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى».
ومن ثمّ، فإن بناء جامعة ذات أثر يعني استعادة التوازن بين التميّز الأكاديمي والأخلاق الاجتماعية.
في العديد من الدول، أصبحت الجامعات قاطرة للتغيير الاجتماعي. فقد أنشأت جامعة أكسفورد مختبر الأثر الاجتماعي (Oxford Social Impact Lab)، بينما طوّرت جامعة طوكيو في اليابان نموذج مركز الحرم الجامعي لأهداف التنمية المستدامة (Campus SDGs Hub). وتحتاج إندونيسيا إلى سلوك مسار مماثل، من خلال ترسيخ دور الجامعة بوصفها فاعلًا رئيسًا في التنمية المستدامة.
وكما ورد في المادة الرابعة من القانون رقم 12 لسنة 2012 بشأن التعليم العالي، فإن من وظائف الجامعات تطوير حضارة الأمة عبر تنمية العلم والتكنولوجيا. وهذه الوظيفة باتت اليوم تتطلّب تطبيقًا عمليًا، مثل مشاركة الجامعات في حلول تغيّر المناخ، والطاقة المتجددة، ورقمنة الخدمات العامة، وتمكين المجتمعات.
إنّ العصر العالمي يفرض على الجامعات أن تكون فاعلًا في دبلوماسية المعرفة. فما زال عدد الطلاب الأجانب في إندونيسيا منخفضًا نسبيًا مقارنة بماليزيا التي تتجاوز نسبتهم ثمانية في المائة من إجمالي الطلاب. في حين أنّ تدويل الجامعات لا يتوقف عند حدود الفخر الرمزي، بل يُعد أداة من أدوات القوة الناعمة للدولة.
ويعالج مؤتمر KPPTI 2025 هذا البعد من خلال جلسة بعنوان «المعرفة العالمية، والأثر المحلي»، مؤكدًا أهمية الدبلوماسية الأكاديمية كجزء من الاستراتيجية العالمية لإندونيسيا. فالتبادل الأكاديمي للأساتذة والطلاب، والبحوث العابرة للحدود، وإشراك الكفاءات الأكاديمية من الجاليات الإندونيسية في الخارج، تشكّل جسورًا لتعزيز السمعة العلمية لإندونيسيا عالميًا.
وفي نهاية المطاف، فإن مقياس نجاح تحوّل التعليم العالي لا يكمن في كثرة اللوائح والتشريعات، بل في إرادتنا على التعاون والتشارك. ويأتي مؤتمر KPPTI 2025 ليُجسّد هذا التوجّه، من خلال توحيد الجامعات الكبيرة والصغيرة، والحكومية والخاصة، في روح من الشراكة والتضامن.
وكما ذكّرنا جون ديوي (1916):
«التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة نفسها».
وينبغي للتعليم العالي أن يتجاوز حدود المشروع التقني البحت، ليصبح نبض حياة الأمة، نبضًا يمنح الذكاء، والحرية، والأمل لمستقبل إندونيسيا.
نُشِرَ هذا المقال في زاوية «التعليم العالي» بموقع detik يوم الأربعاء، 19 نوفمبر 2025.
