الدكتورس نانانغ شايخو، ماجستير في العلوم
محاضر بكلية الدعوة والإعلام (FDIKOM)
جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا.
المسلسلات والأفلام الإسلامية: بين الغيبية أم التصوف؟
ما هو انطباعك عند مشاهدة المسلسلات الدينية أو الأفلام السينمائية ذات الطابع الغيبي؟
لا شكّ أن الإجابات ستتعدد وتتنوّع باختلاف الزوايا والتفسيرات. فهناك من يرى في تلك الأعمال تجسيدًا لما يُسمّى بـ الدعوة عبر الصورة (الدعوة البصرية)، بينما يذهب آخرون إلى أن موجة هذه المسلسلات والأفلام لا تعدو كونها شكلًا من أشكال تضليل الوعي العام. فأيّ الرأيين أصحّ؟
في الحقيقة، كلا الطرفين يملك حججه الخاصة.
ثم يبرز السؤال الأهم:
هل يوجد في الإسلام ما يُسمّى بالتصوف أو النزعة الغيبية؟ وإذا وُجد، فما المقصود بالغيبيات؟ وهل الغيبية هي نفسها التصوف؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ليست سهلة تمامًا، إذ إن العلاقة بين الغيبية والتصوف قد تكون متطابقة أحيانًا، وقد تختلف أحيانًا أخرى، وذلك تبعًا لزاوية الفهم والمنهج الذي نعتمده.
في الواقع، فإن مصطلح الغيبية أو التصوف الغيبي بعيد نسبيًا عن الأدبيات الإسلامية الكلاسيكية، إذ هو مصطلح شائع في الأدبيات الغربية أو في دراسات الأديان غير الإسلامية. ومع ذلك، فإن الغيبية تُستعمل كمفهوم كوني (Universal) للدلالة على كل ما هو متجاوز للمحسوس (Transcendent). وبناءً عليه، فإن كل دين لا يخلو من أبعاد غيبية.
وفي الإسلام، يُطلق على هذا البعد اسم التصوف، أو ما يسميه المستشرقون الغربيون بـ الصوفية (Sufism).
يرى المفكر الإسلامي هارون ناصوتيون (ت. 2001) أن التصوف، شأنه شأن الغيبية في الديانات الأخرى، يهدف إلى تحقيق المعرفة المباشرة بالله والشعور الواعي بالحضور الإلهي، بحيث يدرك الإنسان إدراكًا يقينيًا أنه في حضرة الله.
وجوهر الغيبية—ومن ضمنها التصوف—هو الوعي بوجود تواصل وحوار بين روح الإنسان وربه، وذلك من خلال العزلة أو التأمل العميق. وقد يتخذ هذا الشعور بالقرب الإلهي صورًا مختلفة، من بينها الاتحاد، أي الشعور بالاتحاد مع الله (هارون ناصوتيون، 1978).
وهنا يبرز التساؤل الجوهري:
هل يمكن اعتبار المسلسلات والأفلام ذات الطابع الغيبي تصوفًا؟
إذا تأملنا واقع المشهد الإعلامي، نجد أن المسلسلات والأفلام الإسلامية ذات النزعة الغيبية قد انتشرت في الآونة الأخيرة انتشارًا واسعًا، كالفِطر في موسم الأمطار. فهي تملأ الشاشات الصغيرة ودور السينما على حد سواء.
بعض هذه الأعمال يحمل عناوين تبعث الطمأنينة في النفس، بينما يتسم بعضها الآخر بطابع مرعب. أما من حيث الموضوع، فهي تصور حياة مليئة بالمفارقات: بين الدنيوي والأخروي، بين الظاهر والباطن، بين الحق والباطل، الحياة والموت، الثواب والعقاب، الخلود والفناء.
باختصار، تنطلق هذه الأعمال من واقع إنساني مرير، حيث يسهل على الإنسان الانجراف نحو النزعات الدنيوية. ولإثبات وجود العقاب الإلهي لمن يخالف أوامر الله، يلجأ صناع هذه الأعمال إلى نهاية مأساوية تتمثل في موت مرعب أو مشاهد غيبية خارجة عن المنطق.
وكان بالإمكان، في المقابل، أن تُختتم هذه القصص بالإنابة والتوبة والانسجام الروحي المصحوب بالعمل الصالح. غير أن منطق صناعة الدراما اختار الطريق الأكثر إثارة، فجعل المأساة هي الذروة.
لكن هذا التهويل الدرامي جعل القصص مشوشة ومتناقضة مع العقل، فضلًا عن كونها بعيدة كل البعد عن جوهر التصوف. فالتصوف ليس رعبًا ولا فزعًا، بل إحسان. والإحسان هو لبّ التصوف.
إن تصوير العذاب الإلهي في هذه الأعمال بطريقة تُرهب الناس وتنفّرهم من الدين، بدل أن تقودهم إلى الوعي والذكر والعمل الصالح، يُنتج صورة مشوّهة عن الإسلام. إذ يتحول الدين إلى مصدر خوف لا إلى مصدر هداية.
من الناحية الشرعية، الإيمان بالغيب أمر ثابت في الإسلام (سورة البقرة: 3). غير أن استغلال مفهوم الغيب—وخاصة تصوير الأرواح الهائمة—أمر مرفوض شرعًا. فالقرآن يؤكد صراحة أن أمر الروح من شأن الله وحده (سورة الإسراء: 85).
وإذا ظهرت أرواح أو تحولت إلى حيوانات أو كائنات مخيفة، فإن ذلك—بحسب العقيدة الإسلامية—ليس إلا تمثّلًا شيطانيًا.
وعند هذه النقطة، يتحول ما يُسمّى بـ “الغيب الإسلامي” إلى ظلام دامس، وتفقد هذه الأعمال صفتها الدعوية، لتصبح مجرد صناعة ترفيهية قائمة على الجهل والخرافة، بل وقد تُبعد الإنسان عن الله بدل أن تقرّبه منه.
في التصوف، الله ليس إلهًا يُخاف منه ويُبتعد عنه، بل محبوب يُتقرب إليه. فالله عند المتصوفة يتصف بصفات الرحمة واللطف والمغفرة وقبول التوبة.
بينما تصوّره هذه الأعمال وكأنه يعاقب بلا رحمة ولا يمنح فرصة للإنابة.
لقد أكدت النصوص الإسلامية مرارًا قرب الله من عباده:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 186)
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ق: 16)
وبسبب هذا القرب الإلهي، ظهرت في التصوف مفاهيم مثل الاتحاد والحلول، كما في تجارب أبي يزيد البسطامي والحلاج، والتي فُهمت في إطار الفناء الروحي لا الادعاء الإلهي.
وخلاصة القول، إن تصوير الإسلام في الدراما والسينما على أنه دين رعب وعقاب دائم، يتنافى مع روح التصوف وقيمه الأصيلة. فالله في الإسلام إله رحمة قبل أن يكون إله حساب.
ولو أن صناع الدراما الإسلامية استلهموا القيم الصوفية الصحيحة—التوبة، الإحسان، المحبة، والرجوع إلى الله—لأنتجوا أعمالًا أكثر عمقًا وتأثيرًا، وأكثر انسجامًا مع رسالة الإسلام الحقيقية، بدل السعي وراء الإثارة والربح التجاري.
