المحافظة على فضل الحج
أحمد طلابي خرلي
أستاذ بجامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية، جاكرتا
انتهى موسم الحج لعام ١٤٤٦ هـ. عاد ضيوف الرحمن، واحدًا تلو الآخر، إلى ديارهم . لم يعودوا إلى ديارهم حاملين معهم تذكاراتٍ وقصصًا جميلة من الديار المقدسة فحسب، بل طبعوا في قلوبهم بصمة روحية عميقة. فخلف دموع الوقوف بعرفة، وتعب الأقدام في الطواف والسعي، وهدير التكبير عند أداء فريضة الحج، يكمن أملٌ كبير: حجٌّ مبارك.
فكيف تحافظ على مبرّرات الحج وترعاها؟ أو كيف تغرس روح مبرّرات الحج في حياتك اليومية؟ فماذا عن من لم تسنح له فرصة الحج؟
في التراث الإسلامي، يُعدّ الحج من أهم أركان رحلة المسلم الروحية. فهو ليس مجرد سلسلة من المناسك الجسدية التي تُؤدى في مكة والمدينة، بل هو تهذيب للنفس، مُتجذّر في قيم الإخلاص والتضحية والخضوع. ولذلك، أكّد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: « الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (رواه البخاري ومسلم). لذا، فإنّ الحفاظ على المبرور ورعايته مسعىً نبيلٌ للغاية.
مرآة المبرور
لا يُحكم بصحة الحج بعد انتهاء مناسكه فحسب، بل يُختبر بعد عودة الحجاج إلى ديارهم. وهنا نفهم قول العلماء الحكيم: "ما دام الحج قد انتهى ، إلا أن رب البيت باقٍ، قريب، أقرب من حبل الوريد" (خميس النقيب، ٢٠٢٣). يُعلّمنا الحج أن جوهر التقرب إلى الله لا يعرف حدودًا جغرافية. فلا يشترط أن تكون في الحرم لتكون عبدًا قريبًا من الله.
لقد خُلِعَ ثوب الإحرام الذي يُلبس عادةً في الحج أو العمرة. مع ذلك، يجب أن يبقى الإحرام مُلتزمًا بمعانيه، كالطهارة والطهارة والتواضع لله، في حياته اليومية. لا يجوز خلعه.
انتهى الطواف حول الكعبة. الطواف حول الكعبة مع تلاوة الأدعية والقراءات الكريمة شعورٌ رائعٌ حقًا. إنها تجربة روحية لا تُنسى. الآن حان وقت الطواف حولنا، حول الفقراء والأيتام الذين يحتاجون إلى عوننا.
كذلك، اكتملت مسيرة الساي بين شفا والمروة. انتهى الآن انعكاس كفاح البحث عن الحياة - كما في الصورة البطولية للأم هاجر وإسماعيل. لكن الكفاح من أجل مساعدة الآخرين، والنضال من أجل العدالة، ورفض الشر، شكل آخر من أشكال الساي الذي لا يعرف نهاية.
لم يعد هناك حجر أسود يُقبّل عند وصوله إلى الوطن. إن إحساس تقبيل حجر الجنة، الحجر الأسود، أمرٌ مستحيلٌ هنا في بلادنا. لكن في الحقيقة، هناك أيادٍ متغضنة لآباء وأمهات طاعنات في السن، إذا قُبِّلت بحبٍّ وإخلاص، ستكون أثمن بكثير عند الله تعالى. لذا، استمروا في تقبيل "الحجر الأسود" بنبل أيادي وهويات آبائكم ومعلميكم وصالحيكم الذين أحبهم الله تعالى.
لقد أكملنا أيضًا مسيرة التخلص من الشيطان. لكن الشيطان الحقيقي هو وسوسة القلب التي تدعونا إلى الغرور والنفاق والمعاصي الخفية. لذا، فإن التخلص الحقيقي من الشيطان هو أن نقول "لا" للذنوب، ونرفض العودة إلى ما اعتدنا عليه، ونبدأ في السير على درب الخير بإخلاص.
كذلك لمن لم يُؤدِّ فريضة الحج، فلا تيأسوا، فروح المبرور لا تزال تُحيى. لا تظنوا أن الحج حكرٌ على القادرين. لكل مسلم أن يتعلم من معانيه ورسالته الروحية. تعلموا من إخلاص الحجاج، ومن أدعية الحج، ومن استعدادهم لترك ملذات الدنيا والسير في طريق الله.
العناية بالكدمات
المبرّر ليس إلا صورةً لحال النفس. قال الإمام الحسن البشري، كما نقل القرطبي في شرحه، إن علامة الحج المبرّر تغييرٌ حقيقيٌّ في حياة العبد، فيزداد زهدًا في الدنيا، وشوقًا إلى الآخرة، واجتهادًا في العبادة، وازديادًا في نبل أخلاقه مع الناس.
وأكد الإمام أحمد زروق الفاسي أيضاً في شرح متن الرسالة أن الحج المبرور هو الحج الذي يؤديه صاحبه بلا معصية لله من أول تنفيذه إلى آخره.
قال الإمام النووي في الإحرام في مناسك الحج : من علامات قبول الحج باعتباره حجة مبروراً أن يرجع الإنسان أحسن حالاً ولا يعود إلى الفواحش التي كانت قبل الحج .
إذا كان الأمر كذلك، فإن الحفاظ على الرخاء هو في الواقع الحفاظ على زخم التغيير. مفتاح ذلك هو المراقبة، أي إدراك أن الحياة دائمًا تحت رقابة الله سبحانه وتعالى. هذا هو الشكل الحقيقي لتقوى القلب كما جاء في قوله تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: ٣٢).
إن الحفاظ على الطهارة يعني أيضًا الحفاظ على فريضة الحج كدافعٍ لتطوير الذات. وهذا يعني أنه يجب علينا الاستمرار في تعلم ضبط شهواتنا، وغرس الصدق، ونشر الرحمة في حياتنا الاجتماعية. ففي خضمّ زحمة الحياة التي غالبًا ما تُنسينا، تُصبح روح الطهارة كابحًا روحيًا يمنعنا من الوقوع في غواية الدنيا.
من هذا المنظور، ليست الرحلة الروحية إلى الأرض المقدسة هي الغاية النهائية، بل هي بداية رحلة طويلة نحو الله. ينبغي أن يُغطي ثوب الإحرام الذي يُغطي الجسد في الحج هويتنا أيضًا، ببساطة وتواضع وصدق في العطاء.
لذا، فلنجعل الحج ليس مجرد عبادة سنوية أو إنجازًا مرموقًا، بل روحًا تدفع إلى الخير. ومن أدّاه، يُتوقع منه بلا شك أن يُعزز خطواته في تحقيق التقوى الحقيقية. أما من لم يُؤدِّه، فنسأل الله تعالى أن يُسهّل عليه الطريق ويُهيئه جسديًا ونفسيًا لاتباع بيت الله الحرام. آمين يا رب العالمين.
ملخص من خطبة الجمعة للأستاذ الدكتور أحمد ثولابي خارلي، 20 يونيو 2025. نُشر هذا المقال في قسم الدعوة في موقع detik.com (الجمعة، 20 يونيو 2025).