الدكتور سوويندي، ماجستير في الآداب
محاضر بجامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا،
وعضو فريق صياغة قانون البيسانترين ممثلًا عن وزارة الشؤون الدينية في جمهورية إندونيسيا.
تعتزم وزارة الشؤون الدينية في إندونيسيا إنشاء مديرية عامة جديدة تحت مسمى المديرية العامة للمعاهد الإسلامية (البيسانترين). ويُعدّ هذا الإجراء ترقية بيروقراطية من مستوى مديرية أو وحدة من الدرجة الثانية (إيسلون 2) إلى مديرية عامة أو وحدة من الدرجة الأولى (إيسلون 1). ويستحق هذا التوجه التقدير المشترك، لما ينطوي عليه من خطوة استراتيجية، فضلًا عن كونه استحقاقًا مؤسسيًا طال انتظاره.
حتى الفصل الدراسي الثاني من عام 2025، سجّلت وزارة الشؤون الدينية وجود 42.369 معهدًا إسلاميًا، و6.267.741 طالبًا، و1.163.140 أستاذًا. وإلى جانب المعاهد الإسلامية، توجد خدمات تعليمية أخرى كانت تندرج سابقًا ضمن نطاق المديرية نفسها، سواء في المسار الرسمي أو غير الرسمي. ففي المسار الرسمي، توجد برامج التعليم الديني الرسمي (PDF)، ومؤسسات التعليم المعادل (SPM)، ومعاهد عليا (معهد علي). أما في المسار غير الرسمي، فتشمل المدارس الدينية التكملية (MDT)، وتعليم القرآن الكريم، وبرامج التعليم المكافئ في المعاهد السلفية (PKPPS).
ويرى الكاتب أن هناك جملة من الحجج التي تبرر إنشاء المديرية العامة للمعاهد الإسلامية.
أولًا، إن دور المعاهد الإسلامية وإسهامها في خدمة الدولة والأمة، منذ مرحلة الكفاح ضد الاستعمار، مرورًا بمرحلة الاستقلال، وصولًا إلى مرحلة البناء الوطني، أمر جليّ لا يمكن إنكاره. فقد قادت المعارك ضد المستعمرين في سبيل استقلال إندونيسيا في كثير من الأحيان قياداتٌ من العلماء وطلاب المعاهد الإسلامية. بل إن العدوان العسكري الهولندي الثاني قد تم كسره بفضل مقاومة العلماء وطلاب المعاهد الإسلامية، استنادًا إلى قرار الجهاد الذي أعلنه حضرة الشيخ كياي حاج هاشم أشعري في 22 أكتوبر 1945. وحتى في مرحلة ما بعد الاستقلال، ظلّت المعاهد الإسلامية ملتزمة بولائها للدولة الوطنية الإندونيسية، ومبادِرة في الإسهام ببناء الوطن. وخلاصة القول: من رحم المعاهد الإسلامية قامت إندونيسيا، وتربّت، ونمت حتى يومنا هذا.
ثانيًا، وجود خلل بنيوي بين الهيكل البيروقراطي القائم والوظائف المنوطة به كما نصّت عليها التشريعات. فقد نصّ القانون رقم 18 لسنة 2019 على أن المعاهد الإسلامية تضطلع بثلاث وظائف رئيسة: التعليم، والدعوة، وتمكين المجتمع. وبناءً عليه، يحق للمعاهد الإسلامية الحصول على التمويل من مخصصات وظائف التعليم، والشؤون الدينية، وغيرها من الوظائف ذات الصلة. غير أن وضع مديرية المعاهد الإسلامية سابقًا تحت مظلة المديرية العامة للتعليم الإسلامي جعلها لا تمسّ إلا وظيفة التعليم فحسب، وبالتالي اقتصر تمويلها على مخصصات التعليم فقط. وقد أدّى هذا القيد إلى شللٍ في السياسات، انعكس سلبًا على مستوى الخدمات والأدوار التي يفترض أن تؤديها المعاهد الإسلامية وفق ما أقرّه القانون.
ثالثًا، إن حضور الدولة تجاه المعاهد الإسلامية لا يزال دون المستوى اللائق، نتيجة محدودية الصلاحيات البيروقراطية، فضلًا عن شحّ الميزانيات. ومع ذلك، وبكل ما تتمتع به من استقلالية واعتماد على الذات، واصلت المعاهد الإسلامية مسيرتها بإخلاص وثبات في تربية أبناء الأمة.
وثمّة ثلاث ركائز للمساواة ينبغي أن تحققها الدولة، بما في ذلك تجاه المعاهد الإسلامية، وهي: الاعتراف، والدعم (الأفِرماسي)، والسياسات/البرامج.
فالاعتراف يتمثل في الإقرار القانوني بنظام التعليم في المعاهد الإسلامية من خلال التشريعات.
أما الدعم، فيتجسد في توفير الميزانيات والتمويل الحكومي بصورة عادلة.
وأما السياسات والبرامج، فتتمثل في كيفية تعامل مختلف أصحاب المصلحة، من الحكومة والمجتمع، مع المعاهد الإسلامية.
ولا شك أن حضور الدولة في جانب الاعتراف كان واضحًا، بصدور القانون رقم 18 لسنة 2019 بشأن المعاهد الإسلامية، وسبقه المرسوم الرئاسي رقم 22 لسنة 2015 بشأن يوم الطالب (يوم السانtri). وتعكس هاتان التشريعتان، وما تبعهما من لوائح تنفيذية، جدية الدولة في الاعتراف بالتعليم والمعاهد الإسلامية.
غير أنه في جانب الدعم المالي والسياسات والبرامج، يرى الكاتب أن هناك ملاحظات جوهرية تستوجب التوقف عندها. فالدعم المالي لم يُحدث أثرًا ملموسًا رغم صدور قانون 18/2019. ويتضح ذلك من ضعف نسبة مخصصات ميزانية التعليم الموجهة للمعاهد الإسلامية. ففي عام 2024، بلغ إجمالي ميزانية وظيفة التعليم 660,8 تريليون روبية، لم يُخصص للمعاهد الإسلامية منها سوى 1,021 تريليون روبية، أي ما نسبته 0,15% فقط. وفي عام 2023، من أصل 612,2 تريليون روبية، لم تحصل المعاهد الإسلامية إلا على 877 مليار روبية، أي 0,14%. وبذلك، فإن الحضور المالي للدولة لا يتجاوز في أحسن الأحوال 0,1%. وهذا يختلف جذريًا عن بقية قطاعات التعليم، ولا سيما المدارس العامة؛ ففي عام 2022، من أصل 419,4 تريليون روبية، خُصص للتعليم المدرسي العام 365,5 تريليون روبية (أي 86,75%)، وفي عام 2021، من أصل 437,9 تريليون روبية، استحوذت المدارس العامة على 380,6 تريليون روبية (أي 86,91%).
ويُعزى هذا الوضع بدرجة كبيرة إلى تشريعات التمويل التي لا تنحاز، بل ولا تدعم، تمويل المعاهد الإسلامية، ومن بينها القانون رقم 1 لسنة 2022 بشأن العلاقات المالية بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، والمرسوم الحكومي رقم 18 لسنة 2022 المعدِّل للمرسوم رقم 48 لسنة 2008 بشأن تمويل التعليم. ويرى الكاتب أنه ما لم تُعدّل هذه التشريعات، فإن المعاهد الإسلامية ستظل محرومة من التمويل الذي تستحقه.
وفي جانب السياسات والبرامج، فإن أنماط التعليم الرسمي في المعاهد الإسلامية، مثل التعليم الديني الرسمي (PDF)، والتعليم المعادل (SPM)، ومعهد علي، كما نصّ عليها قانون 18/2019، قد نالت نظريًا قدرًا من المساواة، خاصة فيما يتعلق بالأثر القانوني والميزانية. غير أن الواقع الميداني يُظهر أن خريجي هذه المؤسسات لم يُعترف بهم اعترافًا كاملًا، سواء في مواصلة الدراسة إلى مستويات أعلى أو في الولوج إلى سوق العمل. فلا يزال خريجو PDF وSPM يواجهون صعوبات في الالتحاق بالمراحل التعليمية الأعلى أو بالجامعات، كما أن خريجي معهد علي لم يُعترف بهم بالكامل للالتحاق ببرامج الماجستير والدكتوراه، بما في ذلك في الجامعات التابعة لوزارة التعليم العالي، أو في سوق العمل الرسمي مثل الوظائف الحكومية أو الشركات. فضلًا عن ذلك، فإن الحقوق التي تُمنح عادةً لمؤسسات التعليم الرسمي—مثل دعم BOS، ومخصصات شهادات المعلمين وأعضاء هيئة التدريس، وتمويل التعليم العالي (BOPTN)، وبرامج المنح—لم تُطبّق على هذه المؤسسات بصورة متكافئة. ويمكن تفهّم هذه الإشكالات، من جملة أسبابها، ضآلة الميزانيات المخصصة.
رابعًا، إن ضعف حضور الدولة تجاه المعاهد الإسلامية، على مدى فترة زمنية طويلة، سواء بسبب محدودية الصلاحيات البيروقراطية أو شحّ الميزانيات، سيؤدي حتمًا وبشكل تدريجي إلى إلحاق الضرر بالمعاهد الإسلامية نفسها، وبالدولة، وبالأمة الإندونيسية. إذ قد تفقد المعاهد الإسلامية حيويتها وجوهر هويتها، فضلًا عن تصاعد محاولات تفكيك دورها من خارجها. وإذا ما حدث ذلك، فإن المعاهد الإسلامية—بوصفها الدعامة الرئيسة للدولة الوطنية الإندونيسية من حيث العقيدة، والأخلاق، والمعرفة—ستصبح أكثر هشاشة.
وانطلاقًا من هذه الحجج، فإن إعادة هيكلة الجهاز البيروقراطي بإنشاء المديرية العامة للمعاهد الإسلامية تُعدّ ضرورة استراتيجية لمستقبل إندونيسيا. فهذه الخطوة لا تفتح آفاقًا أوسع لوزارة الشؤون الدينية فحسب، بل ستُفضي في نهاية المطاف إلى تعزيز قوة المعاهد الإسلامية، والمجتمع، والدولة على حد سواء.
(نُشِرَ هذا المقال على موقع Kemenag.go.id يوم السبت، 25 أكتوبر 2025)
