تعريفات حول الدين

تعريفات حول الدين

الأستاذ الدكتور كياهي الحاج نصر الدين عمر، ماجستير الآداب

من بين القضايا الدينية المعاصرة التي كثيرًا ما تُثار، يبرز سؤال جوهري: ما التعريف الحقيقي للدين؟ ومن الذي يملك حق تعريف الدين؟ وما هي الجهة أو السلطة التي تحدد أن تعاليم معينة تُعد دينًا أو لا تُعد كذلك؟ وما المعايير التي يُبنى عليها هذا التعريف؟ ومن الذي يضع هذه المعايير ويُقرّها؟

ثم تبرز إشكالية أخرى لا تقل أهمية: ما المقصود بالتيار المنحرف (الضال)؟ ومن الذي يملك صلاحية الحكم على تيار ما بأنه منحرف أو غير منحرف؟ وعلى أي أساس يُوصَف تيار ما بالضلال؟ وإذا تقرر أن تيارًا ما منحرف، فهل يجب حله؟ ومن الجهة المخوّلة بحلّه؟ وكيف يتم ذلك؟ وعلى أي أساس قانوني أو أخلاقي؟

كما يطرح سؤال بالغ الأهمية: ما تعريف الدولة للدين؟ وبالمقابل، ما تعريف الدين للدولة؟ وما الذي يجوز للدولة أن تقوم به تجاه الدين، وما الذي لا يجوز لها التدخل فيه؟ وبالمثل، ما الذي يجوز للدين أن يتدخل فيه في شؤون الدولة، وما الذي لا يجوز له؟

إن الدين والدولة كلاهما يطالبان بولاء كامل من المجتمع. فإذا وقع تعارض أو صدام بينهما، فمن الجهة التي تفصل في هذا النزاع؟ وكيف يتم حله؟ وعلى أي أساس؟ وهل يمكن تحقيق انسجام حقيقي بين الدين والدولة في استقطاب ولاء المجتمع؟ وأين يكمن الفرق بين دور القيادات الدينية (العلماء) ودور القيادات السياسية (الأمراء)؟

وكيف ينجح القانون الدستوري في التوفيق بين سلطة واستقلالية الشريعة الدينية والقانون الوطني الوضعي؟ وإذا نشأ نزاع قانوني بينهما، فأي جهة تتولى الفصل فيه؟ وهل من الممكن أن تضطلع المحكمة الدستورية بدور الفصل في النزاع بين القانون الديني والقانون الوطني؟

وإلى جانب هذه الإشكالات المفاهيمية، تظهر تساؤلات أكثر عملية وواقعية: ما تعريف الدولة للدين؟ وبالمقابل، ما تعريف الدين للدولة؟ ما المقصود بالدولة الدينية؟ وما المقصود بدين الدولة؟

ثم ما حدود دور الدولة تجاه الدين؟ وما حدود دور الدين تجاه الدولة؟ ماذا يحدث للدين إذا تدخلت الدولة بشكل صارم ومفرط في شؤونه؟ وماذا يحدث للدولة إذا بالغ الدين في التأثير التفصيلي على شؤونها؟

ومن زاوية اجتماعية، تبرز إشكالية أخرى: الدولة والدين كلاهما يطالبان بولاء واحد من المجتمع نفسه. فهل يمكن لمجتمع واحد أن يمنح ولاءً مطلقًا لكيانين قيميّين مختلفين؟

الولاء

من حق الدولة، بوصفها دولة ذات سيادة، أن تطالب بولاء صادق من مواطنيها. وفي الوقت ذاته، يطالب الدين بولاء كامل من أتباعه باعتباره تعبيرًا عن العبودية المطلقة لله تعالى.

وحتى اليوم، لم تظهر توترات مفاهيمية حادة بين مؤسسات وقوانين الدين من جهة، ومؤسسات وقوانين الدولة من جهة أخرى. وإن وُجدت، فقد أمكن حلّها «عرفيًا» لأن مصادر القيم والقوانين لدى الطرفين واحدة. ويُضاف إلى ذلك التجربة التاريخية الطويلة لأبناء الوطن بمختلف أديانهم وأعراقهم في التعاون والتكافل لحل مشكلات الأمة، بما في ذلك مقاومة الاستعمار.

ولا يزال شهود تلك المرحلة التاريخية أحياء، كما لا تزال الثقافة والحضارة الإندونيسية متماسكة. فمن سابانغ إلى ميراوكي، لا يزال الشعب متحدًا في إطار دولة الوحدة لجمهورية إندونيسيا، متماسكًا بلغة واحدة هي اللغة الإندونيسية، ومستندًا إلى فلسفة «الوحدة في التنوع».

غير أنه إذا غاب شهود التاريخ، وترافقت التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة مع ضغط العولمة وثورة المعلومات، فليس من المستبعد أن تتحول القضايا التي كانت محرّمة للنقاش في الماضي إلى موضوعات مطروحة في المستقبل. ويزداد الأمر تعقيدًا مع بروز ظاهرة «ما بعد الحقيقة»، حيث تمتلك السلطات الذاتية قوة هائلة في نسبية الحقيقة التي كانت راسخة من قبل.

ضبط السلطة

كثيرًا ما نشهد قوى سلطوية تمتلك شرعية فكرية حقيقية لكنها تُهزم أمام سلطات أقل شرعية معرفية. وهنا يبرز سؤال خطير: ما مصير مجتمع تُدار شؤونه من قبل سلطات تفتقر إلى الأساس الفكري السليم؟

إن معالجة إشكالية تعريف الدين ليست أمرًا يسيرًا، لأن الواقع الاجتماعي المعاصر يؤثر مباشرة في سلطة النخب الوطنية، سواء الدينية أو السياسية أو الثقافية أو العرفية. وتلعب قوى الأحزاب السياسية، وقوة المال، وقوة وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن الضغوط السياسية الدولية، دورًا بالغ التأثير.

وفي عصرنا هذا، ظهرت نخب جديدة بشكل مفاجئ نتيجة قدرتها على إدارة الألعاب السياسية، سواء بشكل مباشر أو عبر مستشارين متخصصين تُدفع لهم تكاليف باهظة.

ومع ذلك، سيظل الدين – في المستقبل القريب وربما لعقود قادمة – قضية شديدة الحساسية، بل قد تكون أكثر حساسية من قضايا العصبية القبلية أو الجهوية. فعندما يُستدعى الخطاب الديني، يصعب احتواء تداعياته، بسبب الشعار القائل: عِش كريمًا أو مُت شهيدًا.

سلاح ذو حدين

يشبه الدين سكينًا ذا حدين؛ إذ يمكن أن يكون عامل توحيد واندماج وطني، كما حدث في الماضي، حين كانت صيحات «الله أكبر» كفيلة بإرباك المستعمر، رغم بساطة وسائل المقاومة.

وفي المقابل، أثبتت تجارب أخرى أن الدين قد يتحول إلى عامل تفكك وانقسام شديد، كما وقع في أمبون وبوسو وسامبيت. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى الحذر الشديد عند توظيف الخطاب الديني في الممارسات السياسية.

إن ما نحتاج إليه اليوم هو أن يؤدي الدين دورًا توحيديًا (مركزيًا)، يُسهم في تعزيز وحدة الأمة وبث الحماسة لتحقيق أهداف التنمية الوطنية، لا أن يتحول إلى عامل تفريق يكرّس الفوارق العقدية بين الأديان.

وانطلاقًا من هذا التصور، أطلقت وزارة الشؤون الدينية مبادرة «منهج المحبة»، التي تهدف إلى ترسيخ قيم المحبة والتراحم بين البشر على اختلاف معتقداتهم. ويقوم هذا المنهج على عدم التركيز في المحتوى التعليمي وأساليب التدريس على الاختلافات، فضلًا عن تجنب إثارة الصدام بين الأديان.

إنه لأمر بالغ الخطورة على أمة متعددة مثل إندونيسيا أن يُغرس في الأذهان خطاب الكراهية أو التفوق الديني. ولا يزال من المؤسف أن نجد في بعض المناهج التعليمية مضامين تُوحي بأن الدين الواحد هو الحق المطلق، وأن ما عداه ضلال، ويزداد الخطر حين يقوم بعض المعلمين بتضخيم فكرة ضلال الآخرين بأسلوب درامي.

وفي المستقبل، يُراد لـ«منهج المحبة» ألا يقتصر على العلاقات الإنسانية فحسب، بل أن يمتد ليشمل علاقة الإنسان بسائر الكائنات الحية، من حيوان ونبات وبيئة طبيعية.

وتندرج هذه الرؤية ضمن مفهوم «الإيكو-لاهوت» (اللاهوت البيئي)، وهو أحد المحاور الاستراتيجية لوزارة الشؤون الدينية حاليًا. ويُؤمَل أن تُسهم هذه الرؤية في ترسيخ ثقافة «الوحدة في التنوع» بصورة أصيلة.

ومن المستحسن مستقبلًا أن لا يظل مفهوم «الإيكو-لاهوت» و«منهج المحبة» حكرًا على وزارة الشؤون الدينية، بل أن يُعتمد كروح من أرواح «الأهداف الثمانية» لرئيس الجمهورية برابوو سوبيانتو، ليُطبّق بشكل متكامل في جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.

وإلى جانب ذلك، آن الأوان للتفكير في سنّ قانون خاص ينظم التعايش والانسجام بين أتباع الديانات بشكل أكثر شمولًا. إذ إن القانون المعمول به حاليًا، وهو قانون منع إساءة استخدام الدين أو تدنيسه لعام 1965، لا يضم سوى أربعة مواد، وهو غير كافٍ لاستيعاب واقع المجتمع الإندونيسي المتزايد تنوعًا.


الكاتب: وزير الشؤون الدينية لجمهورية إندونيسيا، وإمام مسجد الاستقلال الأكبر في جاكرتا.
نُشر المقال في عمود الرأي بصحيفة كومباس، 8 ديسمبر 2025.