إنجازاتُ الجامعةِ، آمالُ الأُمّةِ
الأستاذ الدكتور آسيب سايب الدين جهار، ماجستير، دكتوراه
عندما صدر تصنيف QS World University Rankings (WUR) Asia 2026 هذا الأسبوع، برز خبر يستحق أن يُستقبل بالترحيب ليس في الأوساط الأكاديمية فحسب، بل على مستوى الوطن بأسره: فقد نجحت الجامعة الإسلامية الحكومية (UIN) شريف هداية الله جاكرتا في الدخول ضمن قائمة أفضل 42 جامعة في إندونيسيا، واحتلت المرتبة 801–850 على مستوى آسيا. قد تبدو هذه الأرقام، في نظر بعض الناس، مجرد تفاصيل تقنية. غير أن هذا الإنجاز، بالنسبة لي، يمثل رمزًا لتحول أعمق وأوسع: نهوض الجامعات الإسلامية الدينية على الساحة العالمية، وتعزيز الأساس البشري الذي سيحدد ملامح إندونيسيا عام 2045. إنه ليس مجرد إنجاز أكاديمي، بل إشارة واضحة إلى روح العصر.
الدلالة الاستراتيجية لإندونيسيا
يذكر تقرير OECD Skills Outlook 2025 أن الدول القادرة على الصمود في وجه الاضطرابات العالمية هي تلك التي تنجح في تحقيق التوازن بين جودة البحث العلمي، والكفاءة المهنية، والنزاهة الاجتماعية. وهذه العناصر الثلاثة يصعب بناؤها من دون منظومة تعليم عالٍ صحية ومتكاملة. ومن هنا، فإن دخول UIN جاكرتا إلى مصاف الجامعات الآسيوية، بل والعالمية — إلى جانب جامعات كبرى مثل Cornell University وJohns Hopkins University وUniversity of Freiburg وTilburg University وUniversity of Queensland، لا سيما في مجال Theology, Divinity & Religious Studies وفق تصنيف QS WUR 2026 — لم يكن محض مصادفة. بل هو دليل على امتلاك إندونيسيا لرأس مال فكري آخذ في الترسخ والنضج.
ويؤكد هذا الإنجاز أن الجامعات الإسلامية الحكومية ليست على الهامش، بل أصبحت مراكز لنمو المعرفة؛ وأن العلوم الدينية والعلوم الحديثة ليستا نقيضين، بل جناحين يتيحان للأمة أن تحلّق أعلى؛ وأن بناء الموارد البشرية الإندونيسية لا يستلزم تقليد الخارج، بل تعزيز الهوية الإندونيسية المعتدلة، المتحضرة، والمستشرفة للمستقبل. وفي سياق السياسات الوطنية، يتناغم هذا الإنجاز مع رؤية الحكومة نحو إندونيسيا الذهبية 2045، حيث لم تعد قوة الدولة قائمة على الموارد الطبيعية، بل على جودة الإنسان.
البحث العلمي بوصفه DNA حضارة جديدة
لا يقتصر تصنيف QS على قياس شهرة الجامعات، بل يقيّم عناصر أكثر جوهرية، من بينها: السمعة الأكاديمية، جودة البحث، عدد الاستشهادات، النشر الدولي، والتعاون العالمي. وبوصول UIN جاكرتا إلى المرتبة 801–850 آسيويًا، فإنها تُظهر تقدمًا ملحوظًا في إنتاجية البحث العلمي، وعدد المنشورات المحكمة، والشراكات الدولية، وارتباط البحث بالقضايا العالمية. وهذا بالغ الأهمية، لأن قدرة الأمة على المنافسة تبدأ من قدرتها على إنتاج المعرفة.
وقد أشار توماس فريدمان في كتابه The World is Flat (2005) إلى أن الدول الحديثة لم تعد تتنافس بالقوة العسكرية أو الموارد الطبيعية، بل بـ حوكمة المعرفة. ومن خلال جعل البحث العلمي جزءًا من حمضها النووي، تسير UIN جاكرتا نحو هذا النموذج الحضاري. وهنا يتجلى مصدر الفخر: العلوم الدينية لا تعيق الحداثة، بل تهذبها وتعزز أسسها.
ثورة الموارد البشرية: من الحرم الجامعي إلى الجيل الذهبي 2045
خلال العشرين عامًا المقبلة، ستدخل إندونيسيا أكبر مرحلة عائد ديمغرافي في تاريخها. غير أن هذا العائد قد يتحول إلى نعمة أو نقمة، تبعًا لجودة الموارد البشرية. وقد حذّر البنك الدولي (2025) من أن الدول ذات الجودة التعليمية المنخفضة ستواجه أشد أشكال فخ الدخل المتوسط في أربعينيات هذا القرن.
وعليه، فإن إنجاز UIN جاكرتا في التصنيفات العالمية يحمل آثارًا استراتيجية، من بينها: ترسيخ الثقة بأن الموارد البشرية المتفوقة يمكن أن تنشأ من مؤسسات دينية؛ وضع معيار جديد بأن الجودة العالمية ليست حكرًا على الجامعات العامة؛ كسر الوصمة القائلة إن الجامعات الإسلامية الحكومية غير قادرة على المنافسة في البحث والابتكار؛ وتقديم نموذج تعليم متكامل يجمع بين العلم، والإيمان، والأخلاق. إن جودة الموارد البشرية في إندونيسيا تُقاس بقدرة الجامعات على تخريج إنسان قوي فكريًا وناضج أخلاقيًا.
التنافسية العالمية وأثر الجامعات الإسلامية الحكومية
لأول مرة في تاريخ تصنيف QS، تدخل ثلاث جامعات إسلامية حكومية ضمن التصنيف الآسيوي: UIN جاكرتا، UIN مالانغ، وUIN باندونغ. وهذا يدل على أن الجامعات الإسلامية الحكومية دخلت المدار العالمي، وأن نموذج التكامل بين العلم والدين الإندونيسي بدأ يحظى باعتراف دولي.
الموارد البشرية المتفوقة: شعلة الجيل الذهبي
إن إنجاز UIN جاكرتا في QS WUR Asia 2026 ليس نشوة عابرة، بل علامة على مسار طويل في بناء موارد بشرية متفوقة. إنه شمعة صغيرة تضيء الطريق نحو مستقبل إندونيسيا، ومسؤوليتنا المشتركة أن نحافظ على وهجها وألا تنطفئ.
