آلاف المدارس المتضررة: لماذا يجب دعم المعلمين في عملية التعافي؟
الأستاذة الدكتورة مايلا دينيا حسني رحيم
(أستاذة تربية الطفولة المبكرة والرعاية الاجتماعية بجامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية بجاكرتا)
بعد وقوع الفيضانات العارمة والانهيارات الأرضية في عدة مناطق بسومطرة، عادة ما يتحرك الاهتمام العام بسرعة: من عمليات الإجلاء، إلى توزيع المساعدات، وصولاً إلى شؤون الإصلاحات المادية. في هذه المرحلة، تبدو الكارثة وكأنها بدأت في الانحسار، غير أن الأيام التي تلي الكارثة في كثير من القرى تكون هي الأثقل وطأة؛ فلا يزال العمل جارياً على تنظيف الأوحال، والطرق لم تستعد كامل كفاءتها بعد، ولا تزال بعض العائلات في حالة نزوح، كما أن كل هطل للمطر قد يثير القلق ذاته الذي ساد في اليوم الأول.
ولم يكن الأثر الواقع على التعليم هيناً؛ حيث تشير بيانات وزارة التربية والتعليم الأساسي والمتوسط، حتى تاريخ 14 ديسمبر 2025، إلى تضرر 3,274 وحدة تعليمية في أتشيه، وشمال سومطرة، وغرب سومطرة. وقد طال الأثر المباشر 276,249 طالباً، بالإضافة إلى 25,936 من المعلمين والكوادر التعليمية.
وفي الوقت ذاته، يعاني 403,534 طالباً موزعين على 19,427 مجموعة تعليمية من اضطراب في الخدمات التعليمية نتيجة تضرر المرافق، وانقطاع الطرق المؤدية إلى المدارس، ونزوح الكوادر المدرسية، فضلاً عن استخدام بعض المدارس مؤقتاً كمراكز إيواء.
إن هذه الأرقام ليست مجرد تقارير؛ فخلفها أطفال لم يعودوا إلى فصولهم بعد، وطلاب يتواجدون غالباً في مراكز الإيواء أو على جنبات الطرق بانتظار المساعدات، وهناك كتب وأزياء مدرسية فُقدت، وآباء يعيدون حساباتهم لتدبير سبل البقاء. وفي غرب سومطرة، أفادت الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث بنزوح أطفال داخل مرافق تعليمية، حيث تحولت الفصول الدراسية إلى ملاجئ للاحتماء. في ظل هذه الظروف، تبدو عبارة "عودة المدرسة إلى طبيعتها قريباً" شديدة التبسيط؛ فبالنسبة لكثير من العائلات، الحياة نفسها لم تعد طبيعية بعد.الطفل لا يفقد الفصل الدراسي فحسب، بل يفقد الشعور بالأمان
بالنسبة للطفل، ليست الكارثة مجرد حدث طبيعي، بل هي زلزال يمزق الشعور بالأمان والقدرة على التنبؤ بالغد. لا يملك الأطفال دائماً القدرة على صياغة مشاعر الخوف أو الحزن أو الارتباك في جمل مرتبة، لذا تظهر ردود أفعالهم غالباً في صورة تغيرات سلوكية: الفزع السريع، صعوبة النوم، الالتصاق بالوالدين، ضعف التركيز، أو سرعة الغضب. كما تثبت الأدلة العلمية وجود ارتباط وثيق بين تعرض الأطفال للكوارث وبين مشاكل النوم وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
في الأسابيع التي تلي الكارثة، يصبح "الروتين" علاجاً يُستهان به غالباً. إن عودة الروتين ترسل إشارة للطفل مفادها أن العالم لا يزال يسير وفق نمط ما، وأن الحياة يمكن إدارتها، وأن المستقبل لا يزال ممكناً. لذا، لا ينبغي إرجاء إنعاش التعليم كـ "شأن مؤجل" حتى اكتمال البناء؛ فالمدرسة بالنسبة للطفل هي مرساة نفسية واجتماعية، ومكان للقاء الأصدقاء، واللعب، والتعلم، والشعور بالأمان ضمن هيكل مألوف.
لماذا يمثل المعلم حجر الزاوية ولماذا يعد فئة هشّة أيضاًفي هذه المرحلة، يلعب المعلم دوراً حاسماً. فعندما لا تكون الفصول جاهزة، غالباً ما يكون المعلم هو أول من يبعث الروح في "المدرسة" بأبسط أشكالها: زاوية تعليمية في مركز إيواء، أو فصل دراسي طارئ في قاعة القرية، أو أنشطة قرائية في دور العبادة، أو لقاءات لمجموعات صغيرة في شرفات المنازل. قد لا تكون الوسائل فاخرة، لكن الاستمرارية هي الأهم. فالطفل لا يأتي من أجل الدرس فحسب، بل ليستعيد الشعور بالحياة الطبيعية من خلال وجوه مألوفة وجدول زمني ينضبط به.
وتؤكد منظمة اليونيسف أن التعليم في حالات الطوارئ لا يحافظ على عملية التعلم فحسب، بل يوفر مساحة آمنة وصديقة للطفل، مرتبطة بدعم الحماية والتعافي النفسي والاجتماعي. بعبارة أخرى، الفصل الدراسي الطارئ الناجح لا يكتفي بمطاردة المنهج، بل يعيد ترتيب الشعور بالأمان ليهيئ الطفل للتعلم مجدداً.
بيد أن هناك حقيقة غالباً ما تغيب عن الأذهان: المعلمون متضررون أيضاً. فبعضهم فقد منزله، ويعاني من الفقد، أو يواجه صعوبات في التنقل، أو يضطر لرعاية عائلة لا تقل هشاشة عن عائلات طلابه. فإذا طُلب من المعلم أن يكون مربياً، وداعماً نفسياً، ومتطوعاً لوجستياً، وجامعاً لبيانات المساعدات في آن واحد، فإن هذا العبء قد يتحول إلى إنهاك مزمن؛ مما يهدد ليس فقط رفاهية المعلم، بل جودة الدعم المقدم للطفل.
دعم المعلم استراتيجية تعافٍ وليست مجرد إضافةيجب فهم دعم المعلم كاستراتيجية جوهرية لتعافي التعليم في سومطرة. ومن الأخبار السارة أن وزارة التربية والتعليم الأساسي والمتوسط قد أعلنت عن تعزيز دعم التعليم والمعلمين في المناطق المتضررة، بما في ذلك أشكال المساعدات وسياسات الدعم للكوادر التعليمية.
ومع ذلك، فإن الدعم الأكثر فاعلية عادة لا يكون سياسة منفردة، بل سلسلة من الإجراءات المتكاملة: يحتاج المعلم إلى أدلة عملية للدعم النفسي الاجتماعي يسهل تطبيقها في الفصول الطارئة، وإلى مواد تعليمية مرنة تتناسب مع الوضع الراهن، وإلى الحد الأدنى من المستلزمات التعليمية حتى لا يعتمد الفصل الطارئ على نفقته الخاصة، وإلى مسارات إحالة واضحة عند اكتشاف أطفال يعانون من علامات توتر حاد ومستمر.
بمثل هذا الدعم، يستطيع المعلم التركيز على الأهم: إعادة بناء الهيكل اليومي للطفل، وتقليل القلق، وضمان استمرارية التعلم دون ضغوط إضافية. ويمكن تنظيم التعلم ليكون أكثر صلة بالواقع: القرية من خلال قصص تزرع الأمل، والرياضيات البسيطة من خلال توزيع الاحتياجات، والعلوم من خلال فهم المطر وتدفق المياه، ومشاريع صغيرة للنظافة والسلامة البيئية. هذا ليس تمجيداً للكارثة، بل هو وسيلة لإعادة الشعور بالقدرة للطفل؛ بأن عقله ومهاراته لا تزال ذات قيمة حتى في أصعب الظروف.
إن المدارس المتضررة بالآلاف، والطلاب بالمئات، والمعلمين بالعشرات. لذا، فإن مقياس نجاح التعافي في سومطرة لا يُحسب فقط بعدد المباني التي أُعيد إعمارها، بل المقياس الأكثر صدقاً هو: كم طفلاً استعاد روتين تعلمه الآمن، وكم معلماً حظي بدعم كافٍ لإنعاش فصله الدراسي ونفسه في آن واحد. إن دعم المعلم يعني تسريع تعافي الطفل، وتعافي الطفل هو السبيل الأكثر منطقية لضمان نهوض سومطرة حقاً، وليس مجرد ظهورها بمظهر المتعافي
"نُشر هذا المقال في صحيفة (ميديا إندونيسيا) يوم الأربعاء، 24 ديسمبر 2025."
