الدكتورس نانانغ شايخو، ماجستير في العلوم
باحث في قضايا الاجتماع والدين
محاضر بكلية الدعوة وعلوم الاتصال، جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية، جاكرتا
يُوصَفُ أبناءُ الهامش في الغالب بأنهم فئةٌ متخلّفةٌ اجتماعيًّا واقتصاديًّا؛ تعليمهم محدود، وأوضاعهم المعيشية ضعيفة، وأسلوب حياتهم بسيط. غير أنّ هذا التصنيف لا يعني بالضرورة أنّهم يقطنون القرى أو يُوصَفون بأنهم «ريفيّون»، إذ إنّ جماعاتٍ كبيرةً من أبناء الهامش تعيش أيضًا في أزقّة المدن الكبرى، كما هو الحال في جاكرتا.
والسؤال المطروح هنا: هل الفقر موجود فعلًا؟ وإذا كان موجودًا، فلماذا «قدّر» الله بعضَ البشر على الفقر والتخلّف؟ وكيف يكون مستوى الروحانية عند الفقير في نظر الله؟
من الناحية اللاهوتية، يمكن القول إنّ الفقر والتخلّف يدخلان ضمن القضاء والقدر. غير أنّ هذا الافتراض قد يكون غير دقيق، لأنّ الفقر ليس مجرّد مسألة مشيئة إلهية، بل يرتبط كذلك بمدى ما يمتلكه الإنسان من قدرةٍ وإمكانات. وقد دار في علم الكلام الإسلامي جدلٌ واسع حول امتلاك الإنسان للقدرة على الفعل. فذهبت الجبرية إلى أنّ الإنسان لا يملك قدرةً ذاتية على الفعل، وأنّ الله وحده هو الفاعل الحقيقي، فالإنسان – في نظرهم – أشبه بدميةٍ يحرّكها القدر. أمّا القدرية، فقد رأت العكس تمامًا، حيث أكّدت أنّ الإنسان يمتلك القدرة الكاملة على الفعل دون أيّ تدخّل إلهي.
وبغضّ النظر عن كون الفقر قضاءً إلهيًّا أو نتيجةً لاختيارات بشرية، فإنّ الله لا ينظر إلى المظاهر الخارجية للإنسان، بل ينظر إلى باطنه، ويقيسه بمعيار الإيمان والتقوى. غير أنّ مستوى الروحانية لا يمكن قياسه بالعقل وحده، لأنه أمرٌ شخصيٌّ خالص، وتقديرُه حقٌّ إلهيٌّ محض.
ومن ثمّ، فإنّ مسألة علوّ أو انخفاض الدرجة الروحية لا تقتصر على الفقراء وحدهم، بل تشمل أيضًا الأغنياء. فليس كلّ غنيٍّ يتمتّع بدرجةٍ روحيةٍ عالية، كما أنّ الفقر لا يعني بالضرورة تدنّي المكانة عند الله.
لهذا، يصبح الحديث عن الروحانية عند أبناء الهامش موضوعًا جديرًا بالنقاش، خاصةً في ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية حول وجود الفقراء بين الأغنياء، وحول ما إذا كانوا محرومين من فرص القرب من الله أم لا.
الإنسان عبدٌ وخليفة
حين خلق الله الإنسان، هيّأ له الأرض بما فيها من وسائل العيش. ولمّا أنزله من الجنّة إلى الأرض، حدّد له مهمّتين أساسيتين: العبودية والخلافة. ولتوضيح كيفية أداء هاتين المهمّتين، أرسل الله الرسل وأنزل الكتب السماوية.
فالعبادة في الإسلام لا تقتصر على الصلاة، بل تشمل الذكر والعمل الصالح وحسن الخلق، وكلّ ذلك بإخلاصٍ تامٍّ لله. أمّا الخلافة، فتعني إدارة الأرض بحكمةٍ وعدل، دون إفسادٍ أو استغلالٍ جائر، وإلاّ حلّ الفساد في البرّ والبحر، كما ورد في قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الروم: 41).
كما منح الله الإنسان العقل ليبحث ويدرس، دون أن يفصل العلم عن الإيمان. غير أنّ تطوّر الحضارة أفرز تفاوتًا بين البشر؛ فمن امتلك قدرةً عقليةً أكبر حظي بحياةٍ أفضل، ومن ضعف عقله أو إمكاناته بقي في دائرة التخلّف. ومع ذلك، فرض الله نظام التكافل الاجتماعي، فأوجب الزكاة وأمر بمساعدة الضعفاء.
غير أنّ الواقع يكشف أنّ الإنسان – غنيًّا كان أو فقيرًا – كثيرًا ما ينشغل بشهواته الدنيوية، فتغيب الروحانية عن حياته، حتى يصبح الدين هامشيًّا في تجربته الوجودية.
الدرجة الروحية
إنّ العمل التعبّدي لا يُقاس بالغنى أو الفقر، بل بالنيّة والإخلاص. فقد يكون الغنيّ بعيدًا عن الله، وقد يكون الفقير أقرب إليه. لأنّ العبادة شأنٌ باطنيٌّ لا يطّلع عليه إلاّ الله وصاحبه.
وقد تتحوّل العبادة الأخروية إلى فعلٍ دنيوي إذا فقدت الإخلاص، كمن يؤدّي الحجّ رياءً، بينما قد يتحوّل الفعل الدنيوي إلى عبادةٍ أخروية، كإزالة الأذى عن الطريق.
ومن هنا، فإنّ بساطة التدين عند أبناء الهامش لا تعني ضعف إيمانهم بالضرورة، فقد يكون تدينهم ظاهريًّا لكن قلوبهم عامرةٌ باليقين. وفي المقابل، قد نجد من يعيش في رفاهيةٍ تامّة لكنه لا يُقيم للدين وزنًا. وبذلك يمكن القول إنّ المعيار الحقيقي للروحانية هو مدى حضور الله في حياة الإنسان، لا موقعه الاجتماعي ولا وضعه الاقتصادي.
نُشِرَ هذا المقال في عمود «تشاكراوالا» بمجلة بانجي ماشياركات، يوم السبت، 08 نوفمبر 2025.